16 - 08 - 2024

يوميات غراب أبيض | "شوقي جلال" راهب الترجمة والعلم

يوميات غراب أبيض |

من ينسى فضل جيل ما بعد ثورة 1919 الشعبية من الكتاب والمترجمين المستمر فينا لليوم، وعلى الثقافة المصرية والعربية؟ . ومن بإمكانه ألا يتذكر راهب الترجمة والتفكير العلمي الزاهد المستغني "شوقي جلال"، والمولود عام 1931، والحاضر وسيظل بنحو مائة كتاب ترجمة وتأليفا، وعلى مدى نحو 60 سنة، ومهموما في كل صفحة منها بطلب وتلمس سبل نهضتنا ؟.

 ومن ينسى أثر ترجمته لرواية "المسيح يصلب من جديد" لـ"نيكوس كزانتزاكس" وتقديمه الفلسفي الاجتماعي السيكولوجي المهم لها، والصادرة من القاهرة، وبعد نحو ثلاث سنوات فقط من هزيمة 1967. ويا للحظة ودلالتها. ومن ينسى على سبيل المثال لا الحصر ترجماته الفذة المبدعة لكتب تأسيسية في التنوير من قبيل "بنية الثورات العلمية" لـ"توماس كون" وغيرها.. وتأليفا أيضا. 

  في حواره مع الصديق والزميل "محمود القيعي" بـ"أهرام" 3 سبتمبر 2021 قال عن أسباب تخلفنا وهزائمنا، وكأنه يترجم اختياره هذا للزهد والاعتكاف النبيل: "المثقف المصري والعربي مسؤول أولا وأساسا ، فهو ليس بمثقف الموقف العضوي الملتحم مع الجماهير، بل مثقف الأمير خوفا وطمعا". وأضاف: "كم خسرت مصر بسبب الخوف الذي غرسته أساليب الاستبداد في نفوس الناس؟".

قبل يومين مساء الأحد نقلته السيدة الفاضلة زوجته وشقيقها في حالة حرجة للعلاج  بالعناية الطبية المركزة. ولا أقل من الاهتمام الواجب العاجل بـ"شوقي جلال" القامة والقيمة، وهو الذي ظل  مع تقدم العمر يكتب ويترجم في دأب داعيا لتنوير غير مزيف وللتحرر من سلطان السلف والاحتكام إلى العقل والإبداع والانتاج الذاتي، ولشق طريق آخر غير المركزية الأوروبية والعولمة الرأسمالية المتوحشة. 

وهذا أقل ما يمكن أن تقدمه مصر والمصريون لمثقف نادر المثال من دعاة المشروعات الحضارية الكبرى، ظل ينتج ويبدع، حتى أنه قبل أشهر أصدر طبعة مزيدة ومنقحة من كتابه "الحضارة المصرية: صراع الأسطورة والتاريخ". وبدوره، عانى ظلم الاعتقال والتعذيب والاضطهاد في عهد الملكية وما بعدها، فلم يزده إلا حبا للوطن وإصرارا على حرية أبنائه وتقدمهم.
--------------------------------
بقلم: كارم يحيى

مقالات اخرى للكاتب

عجايب غراب أبيض | صدق أو لا تصدق